التوظيف الأخضر ومفهوم الاستدامة في التوظيف

January 29, 2025

|

أحمد البربري

|

التوظيف

قبل أيام، افتتح الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز، وزير الطاقة السعودي، أعمال النسخة الرابعة من منتدى مبادرة السعودية الخضراء تحت شعار “بطبيعتنا نبادر”، وذلك بالتزامن مع الدورة السادسة عشرة لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (COP16) التي تستضيفها الرياض تحت شعار “أرضنا، مستقبلنا”.

ولا تنفك مفاهيم الاستدامة تفرض حضورها على كافة الأنشطة الاقتصادية في عالمنا، وخاصة مع التغيرات البيئية الجسيمة التي يشهدها كوكبنا، والتي جعلت من العناية بمفاهيم الاستدامة جزءًا أساسيًا من المسؤولية الاجتماعية للمنشآت، وعنصرًا مهمًا من عناصر الهوية التجارية للشركات، فضلًا عن الخطط طويلة الأمد للدول.

وليست إدارة الموارد البشرية ببعيدة عن تلك التوجهات! في الواقع فقد أصبح مفهوم الاستدامة جزءًا رئيسيًا من أنشطة الموارد البشرية في الآونة الأخيرة، ومن بينها ما يعرف التوظيف الأخضر.

ولكن كيف يمكن أن تساهم عملية التوظيف في المساعي "الخضراء" للحفاظ على البيئة؟ 

هيا بنا نكتشف ذلك

ماذا يعني التوظيف الأخضر؟

التوظيف الأخضر هو نهج شامل لاكتساب المواهب يأخذ في الاعتبار التأثير البيئي والاجتماعي والاقتصادي لممارسات التوظيف، وهذا النهج يتجاوز مجرد تقليل استخدام الورق ويؤكد على دمج المبادئ المستدامة طوال مراحل عملية التوظيف. 

ويهدف التوظيف الأخضر إلى بناء قوة عاملة تتوافق مع التزام المنشآت التجارية والصناعية بمسئوليتها تجاه حماية البيئة كمسؤولية مجتمعية. 

ومن خلال تبني ممارسات التوظيف المستدامة، يمكن للمنشآت التأكيد على اتخاذها منحى أخلاقي للمساهمة في خلق مستقبل بيئي أفضل.

أهمية التوظيف الأخضر

يكتسب التوظيف الأخضر أهمية متزايدة في مجال الأعمال الذي يتطور بشكل سريع، ومن خلال دمج الاستدامة في ممارسات التوظيف، يمكن للمنشآت تحقيق ما يلي: 

  • رفع مستوى المسؤولية الاجتماعية للمنشأة.

  • جذب أفضل المواهب والاحتفاظ بها، وخاصة بين جيل الألفية والجيل Z الذين يقدرون الاستدامة والعمل الهادف.

  • تقليل البصمة الكربونية والتي تعني إجمالي الغازات الدفيئة الناتجة عن الانبعاثات الصناعية أو الخدمية المرتبطة بعمليات التوظيف التقليدية. 

تهيئة المنشآت من أجل التوظيف الأخضر

هناك مبادئ أساسية لعملية التوظيف الأخضر يتعين على المنشآت الساعية إلى تطبيقه الالتزام بها، ومنها:

  1. تحويل عمليات التوظيف إلى عملية افتراضية

قم بإجراء مقابلات عمل افتراضية بدلاً من الاجتماع وجهاً لوجه. أصبحت مقابلات العمل الافتراضية أكثر شيوعًا. وهو ما يؤكده استطلاع أجراه موقع e-fellows.net، فتنفيذ المقابلات عبر الفيديو والتقييمات عبر الإنترنت يقلل من الحاجة إلى سفر المرشحين والموظفين، مما يقلل من التأثير البيئي لعملية التوظيف.

تلعب برامج التوظيف والمنصات الإلكترونية دورًا محوريًا في تنفيذ ممارسات التوظيف الأخضر واستدامتها من خلال:  

  • تعزيز ممارسات التوظيف الأخضر عن طريق تسهيل التعاون الافتراضي بين فرق التوظيف، وتبسيط العمليات وتقليل الوقت والموارد المطلوبة للتدخلات اليدوية، مما يساهم في الاستدامة الشاملة لعملية التوظيف.

  • التأسيس لمستقبل مستدام في اكتساب المواهب، من خلال دمج الاستدامة في ممارسات التوظيف، ما يساهم في تعزيز سمعة المنشأة وجاذبيتها للباحثين عن عمل المهتمين بالبيئة.

  • التحسين المستمر لمواءمة استراتيجيات التوظيف مع أهداف الاستدامة، حيث تمكننا برامج التوظيف من إنشاء وتخزين واسترجاع مستندات المرشحين بتنسيق رقمي، مما يتيح أدوات لتحليل البيانات وتتبع وتحليل عمليات التوظيف.

  1. تشجيع التنقل الأخضر

إذا كانت مقابلات العمل المباشرة ضرورية، فيمكنك أن تقدم أو تقترح لمرشحيك بدائل منخفضة الانبعاثات للسفر أو التنقل بتكلفة أقل. من خلال تمرير الغرض من ذلك إلى المرشح حول رؤيتك البيئية فإنك تبث رسالة قوية حول أدائك البيئي وستصبح شركتك أكثر جاذبية حتى قبل إجراء المقابلة. 

يمكن أن تكون إعادة هيكلة استراتيجية النقل الخاصة بمنشأتك أيضًا طريقة جيدة لإقناع المتقدمين. هناك مفاهيم تقدم فيها الشركات خدمة تأجير الدراجات والدراجات الكهربائية أو التحول الكامل إلى استخدام السيارات الإلكترونية. 

أظهرت دراسة أجرتها شركة Kraftfahrtbundesamt أن تسجيل السيارات التي تعمل بالبطاريات في ألمانيا زاد بنسبة 206.83% من عام 2019 إلى عام 2020. وهذا يوضح تزايد شعبية حلول التنقل الأخضر.

وبطبيعة الحال تعتمد هذه التغييرات على ما تتيحه موازنتك المالية، ومع النظر إلى عامل التكلفة يظل من الضروري أن يكون هناك من جانب التزام المنشأة بالعمل من أجل مستقبل أكثر اخضرارًا.

  1. رقمنة عملية التقديم

يمكن لرقمنة العمليات أن توفر لشركتك الكثير من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. تتوقع دراسة أجرتها شركة Bitkom تقليص 12 مليون طنًا من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في قطاع الأعمال بحلول عام 2030 في حالة تسريع الرقمنة. 

نعلم جميعًا الآثار الضارة للإفراط في استهلاك الورق. يمكن أن يكون البديل استخدام أنظمة تتبع المرشحين ATS أو استخدام البريد الإلكتروني والنسخ الإلكترونية، وكذلك الاعتماد على ملفات إلكترونية للتقييم والفرز. 

يمكن للحلول الرقمية تقليص الكثير من الوقت وتكلفة مجلدات التطبيقات والبريد التي تمثل رقمًا بارزًا في موازنتك السنوية. 

فضلاً عن ذلك، برزت أهمية التوظيف الأخضر في زمن الجائحة، كما أصبحت مساحات العمل المنزلي ضرورة في هذه الأوقات، مما ساهم تلقائيًا في الاستراتيجية الخضراء.

  1. تبني توجهات العمل عن بعد

يمكن لانتهاج سياسات العمل عن بعد أن تعمل إلى حد كبير على تقليص استهلاك الطاقة، وكذلك استهلاك الورق من خلال الاعتماد على التوثيق والمراسلة عبر الإنترنت، وكذلك تقليص استخدام وسائل النقل، وبالتالي الوقود.

  1. تبني النظام البيئي الأخضر

التحرك نحو الاستدامة يبدأ من مكتبك الخاص. المفتاح هو النظر إلى شركتك كنظام بيئي، وتحقيق التوازن بين مدخلاتك ومخرجاتك بطريقة مستدامة. سواء كان الأمر يتعلق بإدارة الإضاءة الذكية أو العناصر المكتبية القابلة لإعادة التدوير. 

هناك العديد من الطرق لجعل بيئة العمل أكثر استدامة. وفقًا لدراسة أجرتها VMR، فمن المتوقع أن يصل حجم سوق المكاتب الذكية في جميع أنحاء العالم إلى 66.6 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2072. 

يمكن خلال مقابلات العمل أن يتم إخطار المتقدمين بالتزام المنشأة بالنهج الصديق للبيئة. 

يمكن أن تتضمن النصائح المفيدة تقليل العبوات البلاستيكية، وشراء الطاقة الخضراء، والتأكد من كفاءة المعدات الجديدة من حيث استهلاك الطاقة. 

  1. الربط بين الفعاليات والحوافز وبين التوظيف الأخضر

أصبحت مزايا الموظفين أكثر شيوعًا من أي وقت مضى في "الكفاح من أجل المواهب"، وبالتالي فمن المنطقي تمامًا دمجها في مفهوم التوظيف الأخضر لديك. الهدف هو الاحتفاظ بالموظفين والمتقدمين وجعل الشركة أكثر جاذبية. 

يمكن للمنشآت تقديم عروض مع المطاعم أو بطاقات التخفيضات كنوع من الحوافز. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد خيار المكتب المنزلي أيضًا في حماية البيئة، خاصة إذا كان التنقل إلى العمل يتطلب مسافة أطول. هذه الخيارات ليست جذابة فقط بسبب القيمة المضافة التي تقدمها للمتقدمين والموظفين المستقبليين، ولكنها تساهم أيضًا بشكل فعال في الموازنة البيئية العامة للمنشأة.

لإشراك الموظفين، يمكن للشركات أيضًا تنظيم فعاليات خضراء مثل زراعة الأشجار، والجمع بين فعاليات الموظفين وأنشطة حماية البيئة بطريقة ممتعة لجذب الجميع.

أهم التحديات التي تواجه تطبيق نهج التوظيف الأخضر

  1. ضعف الوعي بالقضايا البيئية على المستويين التنظيمي والفردي، من حيث انخفاض مستوى الوعي البيئي سواء لدى الموظفين أو لدى الإدارات العليا للمنشآت.

  2. ضعف الموارد المالية الموجهة نحو القضايا البيئية وتدريب الموظفين ورفع مستوى الوعي البيئي لديهم. 

  3. غموض سياسة إدارة الموارد البشرية الخضراء، المتمثل في صعوبة تنفيذها والقدرة على قياس فعاليتها، حيث لا يوجد مقياس محدد لقياس أداء الموظفين من حيث المسئولية البيئية.

  4. صعوبة الحصول على مرشح يوازن بين المسؤولية البيئية والمسؤولية المؤسسية بكفاءة.

  5. نشر نهج وسياسة الموارد البشرية الخضراء مكلف في مراحله الأولية.

  6. تغيير سلوك الموظفين من خلال التدريب لتبني طرق أكثر حفاظًا على البيئة يتطلب فترة طويلة من الوقت.

تجارب عالمية ناجحة لتطبيق التوظيف الأخضر

  • جنرال إلكتريك

تبنت جنرال إلكتريك المبادرة الخضراء بطريقة فريدة من نوعها، ففي عام 2006، أجرت جنرال إلكتريك مسابقة لطلاب الجامعات، حيث كان مطلوبًا من طلاب الكليات تصميم مشروع صديق للبيئة بميزانية 25,000 دولارًا، بحيث يتم تنفيذه في الحرم الجامعي. 

أطلق على المسابقة اسم «تحدي الخيال البيئي»، وتوصل العديد من الطلاب إلى أفكار رائعة واستثنائية، وتم تعيين بعض أعضاء الفريق الفائز من قبل الشركة لاحقًا. 

  • غوغل 

قامت الشركة بتعيين مدير لتنسيق الجهود البيئية للمنشآت في محاولة لمواءمة استراتيجية أعمالها التجارية مع جهودها البيئية، وتتضمن بعض المبادرات التي تدعم القضايا البيئية في غوغل تقديم دعم للموظفين الذين يشترون سيارات هجينة، ومرافق تناول الطعام في المنشأة تقدم طعامًا مستدامًا عضويًا، والمساهمات الخيرية للمنشآت التي تحارب الاحتباس الحراري العالمي، واستخدام الوقود الأخضر والطاقة الشمسية وما إلى ذلك.

  • بعض الأمثلة لمنشآت بدأت في تطبيق سياسات صديقة للبيئة

  • شركة Wipro تشجع موظفيها على إعادة استخدام الورق المستعمل للحد من استهلاك الورق.

  • تتعاون شركة Microsoft مع شركة Nityata، وهي منظمة غير حكومية تعمل مع أطفال المدارس في المناطق القبلية في ناغارهول بالهند لتوزيع دفاتر الملاحظات المصنوعة من خلال ربط أوراق المكتب المستعملة معًا، وفي أحد المباني في بنغالور، تمتلك الشركة أجهزة استشعار للإضاءة من أجل توفير الطاقة.

  • شركة Unisys تستخدم حملات مثل "الشجرة المتلاشية" لنشر الوعي حول تقليل نفايات الورق بين الموظفين، وخلال فصل الشتاء والرياح الموسمية، تستخدم الشركة الهواء النقي من أجل تقليل حمل المبردات وبالتالي الحفاظ على الطاقة، كما تعاونت الشركة مع Saahas، وهي منظمة غير حكومية للتخلص من النفايات الإلكترونية، حيث يقوم المتطوعون بتنظيف صناديق الإسقاط مرة واحدة في الشهر وإرسالها إلى E-Parisara وهي وكالة إعادة تدوير النفايات الإلكترونية المعتمدة، وبهذه الطريقة يتم التخلص من الخلايا الجافة والأقراص المضغوطة المستخدمة بالطريقة الصحيحة.

  • في شركة Satyam، تحصل المركبات التي تحمل ملصقات فحص التلوث فقط على مساحة لركن السيارات، ويتم تشجيع الموظفين على استخدام وسائل النقل الخاصة بالشركة للحد من البصمة الكربونية.

وفي الختام..

لم يعد تبني التوظيف الأخضر نوعًا من الترف الفكري، بل أصبح ضرورة استراتيجية لبناء مستقبل مستدام ومرن في ظل التحديات البيئية المتزايدة على كوكبنا. 

من خلال تبني استراتيجيات التوظيف الأخضر يمكن لمنشأتك جذب أفضل المواهب والاحتفاظ بها، وكذلك الحد من التأثيرات البيئية الضارة، وإظهار التزامها بالاستدامة. 

أحمد البربري

كاتب محتوى، خبير في مجال الموارد البشرية والتوظيف والإدارة، يعمل بمجال الموارد البشرية لأكثر من 16 عامًا، وفي صناعة النشر.

اشترك في نشرتنا البريدية

ابقَ على اطلاع بأحدث موارد وحلول الموارد البشرية التي تقدمها سكيلرز

Avatar Image
Avatar Image

صنع بـــــ 💜 في المملكة العربية السعودية

©2025 جميع الحقوق محفوظة لـ شركة موطن الافكار لتقنية المعلومات

صنع بـــــ 💜 في المملكة العربية السعودية

©2025 جميع الحقوق محفوظة لـ شركة موطن الافكار لتقنية المعلومات

صنع بـــــ 💜 في المملكة العربية السعودية

©2025 جميع الحقوق محفوظة لـ شركة موطن الافكار لتقنية المعلومات